الأربعاء، 30 يونيو 2010

السيرة الذاتية للسيد محمد دحلان

الولادة و النشأة:


وُلد محمد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة, بتاريخ 29/9/1961م, لأسرةٍ هاجرت من قرية “حمامة” عام 1948م, و استقرت في المخيم على أمل العودة التي لا تزال تحلم بها حتى الآن, كباقي الفلسطينيين المشتتين عن ديارهم. سافر أبوه للعمل في السعودية عام 1964م, طلباً للقمة العيش تاركاً زوجةً وأربعة أبناء؛ محمد أصغرهم, و بنتين اثنتين, بدأ الطفل ينضج في ظل واقع نكسة حرب حزيران, و ما تلاها من احتلالٍ مرير لقطاع غزة و الضفة الغربية, الأمر الذي كان بداية التوجه الفكري الوطني للصغير الغض محمد و الأسرة كلها, فيما ساعد على تشكل هذا التوجه أن أخواله قد قضوا نحبهم شهداء , على أيدي القوات الإسرائيلية ما بين عامي 1969م – 1971م, و كان عمه قد سبقهم شهيداً عام 1947م, الشيء نفسه الذي جعل من علاقة هذا الأسرة مع الاحتلال علاقةً عدائية شخصية و ثأرية, تلقى دحلان تعليمه الأساسي و الثانوي في مدارس المخيم, و كان معروفاً بين أقرانه و جيرانه بدماثة أخلاقة, و حسن سيرته و صدقه و جراءته الملموسة و التزامه بتعاليم الدين, إذ كان لا يترك فرضا و لا عبادة إلا أداها مطمئناً, بتشجيع والدته التي دفعته نحو الاستقامة و أولته رعايةً خاصة, بحكم أنه الأصغر في العائلة ,و لتعويض ما قد يشعر به من حرمان, جراء بُعد والده عنه الذي لم يراه إلا في إحدى زيارات السجن, حينما كان معتقل.



كان فكره لا يزال غير مؤطر سياسياً,و لكنه شديد الكراهية للاحتلال و إفرازا ته التي يعايشها بشكل يومي ,و أهم تلك الإفرازات صبغة اللجوء التي شكلت في نفسه الهم الأول , ذهب للعمل داخل الخط الأخضر أثناء إجازاته الصيفية في الثانوية , على الرغم من أن أخاه الأكبر كان ميسور الحال و باراً بأسرته , و لكن هذا كان عُرفاً سائداً بين أوساط الشباب الفلسطينيين آنذاك وقت , لكوِن تجربة العمل في قيظ الصيف و الصبر عليه ,تزيد من قوة الشخص على تحمل أعباء الحياة فيما بعد , فتعلم مبادئ و أوليات اللغة العبرية و صار يتحدثها بقصد التعلم , عُرف عنه شغفه بالرياضة على مختلف أنواعها و تردده على إستاد خان يونس الرياضي, الذي صار فيما بعد مقراً لممارسة النشاط السياسي و التنظيمي السري , و قد تم اعتقاله اعتقالاً عشوائياً في إحدى المظاهرات, التي لم يتأخر عن أيٍ منها و هو في الثانوية العامة , و بعد فترة وجيزة وجد محمد دحلان نفسه يُعد للسفر إلى مصر للدراسة في كلية التربية الرياضية ,بعد أن اجتاز “التوجيهي” بنجاح ,,, و هنا تبدأ الحكاية التي سنأتي على ذكرها , إلا أننا يجب أن نذكر أن سلوك محمد دحلان في صغره لم يتغير عنه و هو كبيرا , بل انعكس على المؤسسة الأمنية التي كان يديرها, بالاعتدال و الصدق و الأمانة و تحري الحق و تجنب المحرمات و محاربتها , و يذكر مسئولون و موظفون في أماكن يتردد عليها دحلان, نزاهته و مدى التزامه بتأدية حق الله عليه بالصلاة مع دخول وقتها , و يشيد الجميع بتعففه عن النساء في الحِل والترحال , و ترفعه عن الخمر و بساطته مع الناس, و لعل هذه نقطة من نقاط قوته كشخص و كمسئول أمني سابق .



* بداية المشوار الطويل:



لم يكن الشاب اليانع محمد دحلان يبلغ سن التاسعة عشر من العمر, عندما حزم حقيبته و اتجه إلى مصر, للالتحاق بكلية التربية الرياضية عام 1979-1980م, و كان هذا خروجه الأول من فلسطين التي كانت تعيش منذ عام 1974م و حتى ذاك التاريخ مرحلة استرخاءٍ سياسي و عسكري, شمل كل التنظيمات الفلسطينية الفاعلة على الأرض, جاء ذلك السكون بالتزامن مع خروج القوات الفلسطينية من الأردن, مما انعكس سلبا على العمل الفدائي داخل الأراضي المحتلة.



و ما أن وصل الطالب محمد دحلان للقاهرة, حتى بدأ في التعرف على الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية, دون أن يدري أن هؤلاء الطلاب سيأخذونه فيما بعد إلى لقاءٍ مع أحد كوادر حركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية, فذهب معهم و إذ به يجلس ليس ببعيد عن الشهيد القائد / خليل الوزير “أبو جهاد”, الذي كان يتحدث عن فلسطين و مدنها و شوارعها و حاراتها و كأنه يعيش فيها في تلك الحقبة, الشيء الذي رسم صورةً مثالية في نفس دحلان عن المناضلين, و بدأ حينها الاهتمام و التحول الحقيقي لدحلان نحو السياسة و الانتماء, لتشاء الأقدار بعد فترة وجيزة, أن يحضر نفس الطالب محاضرةً هامة و قصيرة, كانت فكرتها الأساسية أن ساحة المعركة الرئيسية هي الأرض المحتلة, مما غير مسار حياة دحلان الذي قرر العودة إلى قطاع غزة, و العمل في خان يونس بعد أن انتمى طواعية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح, و تذرع لأهلة بحجج متنوعة كي يسمحوا له بالعودة للقطاع, تاركاً مقعد الدراسة في القاهرة, و كان له ذلك أمراً يسيرا, خصوصاً و أن أمه كانت متفهمة لميوله نحو السياسة آنذاك, رغم أنها لا تجيد الكتابة أو القراءة, فدفعته نحو العمل السياسي, و في قلبها غصة كبيرة على إخوتها الشهداء.



توجه محمد دحلان للدراسة في الجامعة الإسلامية, التي كانت في ذاك الوقت معهد ديني متوسط لا يتجاوز عدد طلابه المائة شخص, فيما تسيطر عليه حركة ما كان يسمى بالمجمع الإسلامي التي أصبحت فيما بعد حركة المقاومة الإسلامية حماس, وهنا برزت فكرة تأسيس جسمٍ نقابي يتبع حركة فتح ,كي يكون إطارا نقابياً لمواجهة أطر التنظيمات الفاعلة, التي تسيطر على مجالس الطلبة في الجامعات, التي تشهد سيطرة الحزب الشيوعي عليها, بشكل واضح في تلك الفترة.



بذل دحلان جهداً جبارا في الترويج لهذه الفكرة, التي لاقت استحسان شباب القطاع, ليتم الإعداد فعلاً لميلاد هذا الجسم النقابي الفتحاوي في غزة, و قد سهل ذلك وجود الأخ عبد العزيز شاهين , الذي كان قد خرج للتو من السجن و كان يفكر في نفس الأمر أيضاً, و في غمرة هذه الأحداث أراد المجمع الإسلامي الإشراف على تنظيم مهرجان خطابي, تقيمه جامعة الأزهر في ذكرى وعد بلفور المشئوم, فقرر دحلان إلقاء كلمة بهذه المناسبة, و استأذن من رئيس الكتلة الإسلامية, التي تسيطر على مجلس الطلبة, لتخصيص وقت لكلمة لا تتجاوز الصفحة و النصف في برنامج الحفل الوطني, و تم له ذلك على اعتبار أن دحلان غير منتمي لأي تنظيم سياسي,,, حملت الكلمة التي ألقاها الطالب محمد دحلان تلميحاً وتبشيراً بولادة جسم نقابي طلابي يتبع حركة فتح, و ذلك من خلال ما جاء فيها من تحايا و عبارات تمجد المقاومة و منظمة التحرير الفلسطينية و تتضامن معهما, و بعد ما فرغ من كلمته, عمد دحلان إلى لعب دور الشخصية الغامضة بذكاء, خدمةً للفكرة التي يسعى لها, إذ كان يوحي للآخرين انه يقود عملاً سريا كبيرا, و يوهمهم بامتلاك القدرة و التأثير, مما جعله نقطة جذبٍ و استقطاب للشباب المتحمسين, و محط إعجاب الكثيرين, و من تلك النقطة بدأت تنطلق الحركة الوطنية الفلسطينية “الشبيبة” في غزة لتكون بذلك رديفاً و ساعداً للحركة الطلابية الفتحاوية في جامعات الضفة الغربية, و لاسيما جامعة بيرزيت العريقة, و قد زاد من سرعة انطلاق و تشكل هذه المنظمة النقابية, الديناميكية التي يتصف بها دحلان و مَنْ معه من أخوةٍ منهم من أستشهد على طريق النضال كالأخ محمود أبو مذكور “أبو ظافر” و الأخوين عماد بكير و زياد مصران, و آخرون منهم من ينتظر كالأخوة عبد الكريم القططي و زكريا التلمس و أحمد عيسى و جميلة أبو سمهدانة و نعيمة الشيخ علي مع آخرين , أعانوه و أعانهم على الانتشار و التنظير للمشروع الفتحاوي الجديد, مع أخذ الحيطة و الحذر الشديدين, و اعتماد السرية أسلوباً و منهجاً للعمل الوطني, فيما ساهم إعادة حركة فتح ترتيب أوضاعها الداخلية, على المستويين السياسي و العسكري في تقوية منظمة الشبيبة الفتحاوية, ليستمر العمل السري في تلك الفترة معتمداً على سهولة الأفكار و سرعة هضمها من قبل الجماهير, و استثمر دحلان حدث اغتيال الشهيد المطارد / رفيق السالمي عام 1982م, في تدعيم التوجه العام للشبيبة, و كان ذلك بتعاون كل رفاق النضال في تلك الفترة.



بدأ العمل يزداد سخونةً و زخما مع الاعتقالات المتكررة, التي لحقت بمجموعة العمل الشبابي الوطني, التي كان من أبرز وجوهها محمد دحلان المتصوف من أجل إنجاح مشروع إنشاء الشبيبة و تفعيلها, فبدأ بالتعرف على وجوهٍ جديدة من فئات الطلاب و المستقلين, و المدرسين الذين كان أشهرهم الدكتور/ عبدالله أبو سمهدانة, و الشهيد أسعد الصفطاوي, و اتجه في نفس الوقت للاتصال بالأسير المحرر عبد العزيز شاهين المعروف بأبي علي شاهين, الذي خرج من معتقله عام 1982م كرمزٍ وطني فتحاوي في تلك الحقبة, الأمر الذي أعطى دفعةً قوية للشباب و الشبيبة, و لم تشهد تلك الفترة حتى ذاك التاريخ أي اتصال مع القيادة في الخارج, حيث اعتمد دحلان و من معه على جمع التبرعات, من الطلاب و رجال الأعمال و كذلك من بعض الشخصيات الوطنية, في الوقت الذي لم تتوقف فيه عمليات الاعتقال و التنكيل, و هذه نقطة سنأتي عليها بعد قليل.



لم يكن عام 1983م عاماً اعتيادياً, فقد شهد أول إعلانٍ رسمي عن الإطار الشبابي الفتحاوي, و أعلن دحلان و رفاقه عزمهم على خوض الانتخابات في الجامعة الإسلامية, باسم حركة” فتح”, التي حصلت فيها الشبيبة على نتائج ايجابية و مشرفة بل و مفاجئة, مما أدى إلى بعض المشاحنات مع الكتلة الإسلامية كتيارٍ منافس.



استمر العمل بنفس الروح, و بدأت الشبيبة تأخذ بعداً جماهيريا بين الناس, خصوصاً و أن ما تقوم به من نشاطات اجتماعية, مثل تنظيف الشوارع و المقابر و الحدائق العامة, كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز اسم منظمة الشبيبة في أذهان الجميع, لاسيما مع واقع الاستفادة الذي خلقه الإفراج عن بعض الأخوة من السجون الإسرائيلية مثل الأخ سامي أبو سمهدانة و الأخ أحمد نصر و غيرهم , و على صعيد آخر صار هناك تنسيق كامل مع الشبيبة في الضفة الغربية, و على رأسها مروان البرغوثي, الذي كان فعالاً و نشطاً, فنمت علاقة شخصية منذ ذاك التاريخ بين دحلان و البرغوثي على أساس وطني, و بدأت حالة من التعزيز الداخلي المتبادل في صفوف الشبيبة, في كلٍ من الضفة و غزة, كقيام شبيبة غزة بتأطير المئات من شباب غزة و إرسالهم للضفة الغربية, و كانت شبيبة الضفة الغربية تقوم بنفس الدور مما قوى القواعد و بالتالي القيادات, و من ثم الحالة ككل, كحالة طلائعية وطنية تنتمي لفتح , فيما برز خلال تلك الفترة إلى جانب الأخ محمد دحلان و رفاقه في غزة, أسماء في الضفة الفلسطينية من أبناء غزة و الضفة معاً كالأخ سمير صبيحات و الأخ خالد اليازجي و الأخ جمال الشاتي و آخرون .



لم تتأخر قيادة الشبيبة عن أخذ زمام المبادرة, بالتوعية و التعبئة و التوجيه الوطني, فخرجت في مسيرات كبيرة تضامنا مع الأخ / أبي عمار في المجلس الوطني في القمة التي عقدت في عمان, و استشهد كادر من كوادر الشبيبة و أحد أصدقاء دحلان المقربين, و هو الشهيد شرف الطيبي من مدينة خان يونس عام 1985م, فازدادت الشبيبة قوةً و توهجاً, فيما كانت النتائج الانتخابية في جامعة بيرزيت, تمثل نقلةً نوعيةً للشبيبة بفوزها بمجلس الطلبة هناك, الأمر الذي أعطى انطباعاً أن الشبيبة تسيطر على الضفة الغربية, مما دفع قوات الاحتلال لاعتقال محمد دحلان و كل رموز العمل الوطني في تلك السنة, و لكن قبل هذا التاريخ, كانت إسرائيل قد أبعدت عبد العزيز شاهين إلى منطقة “الدهينية”, و قد سبق ذلك وجود اتصالات مع قيادة المنظمة و حركة فتح, فصار دحلان يراسل الشهيد خليل الوزير, و اقترح عليه وجود عمل عسكري في الداخل, فرفض القائد أبو جهاد ذلك خوفاً على الشبيبة من الانهيار, إذا ما وجهت إسرائيل ضربة قوية لها, فيما كانت رؤية دحلان مع رفيقين اثنين له من قيادة الشبيبة, أن القاعدة الشعبية للشبيبة قد أخذت في الاتساع, و صار الكل يتطلع لقطف ثمار هذا العمل الاستثنائي الناضج, بالقياس مع طبيعة الظرف و الإمكانيات المتاحة, و إلا فإن بعض الهمم ستفتر … فرفض أبو جهاد تلك الفكرة رفضاً مطلقاً, و آثر العمل بنفس الطريقة المتبعة, و هكذا تطورت العلاقة بين دحلان و أبي جهاد و أخذت بعداً إنسانيا و شخصيا مضافاًً إلى البعد النضالي, و تحول عمل محمد دحلان إلى عملٍ جماهيري بشكل واضح و صريح, كقيادي في الشبيبة الفتحاوية؛ معروف عند العدو و الصديق, وقد لازمه الظهور مروان البرغوثي و نافذ سويطات و نبيل مقبول في الضفة الغربية, و بدأت الشبيبة تدخل جميع الأوساط و النقابات و الجمعيات الفاعلة, حتى تم إبعاده من غزة بشكلٍ قسري.



* الاعتقال و قيد السجان:



لم يكن محمد دحلان يفكر وفق مبدأ الربح و الخسارة, عندما اختار طريقه النضالي, بل كان يعرف أن مشواره معبد بالأشواك و المتاعب و ظلام السجن أيضاً, إذ تم اعتقاله أكثر من ست مرات بأحكام متفاوتة, ما بين عامي 1980م – 1986م, لم يكن الأمر في البداية سهلاً أو صعباً, و لكن الرسالة التي فهمها دحلان من أول اعتقال له, أنه أصبح هو و رفاقه في دائرة الاستهداف, الأمر الذي تطلب إعادة ترتيب كل الأوراق منذ البداية من خلال اعتماد السرية أكثر, و التهيئة النفسية على صعيد الأهل و الصعيد الشخصي للاعتقال المفاجئ, و التركيز على تعزيز الثقة بالنفس, و تحمل تبعات اتخاذ أي قرار على المستوى العام و الخاص, مما أفرز قناعةً بعدم الاعتراف التي صارت تكتسب شرعيتها, مع خلال صمود دحلان و فرقته التنظيمية في الاعتقالات اللاحقة,التي لم يكن فيها دحلان مُداناً أو متهماً بارتكابه عمل عسكري, و لكن الإدانة كانت للانتماء لفتح والشبيبة.



و مع تكرار الاعتقالات و تنوعها تعددت أساليب التنكيل و أسباب الاعتقال, خصوصا مع النمو البهيج لحركة الشبيبة التي تبنت و تبناها دحلان, فصار الاسمان متلازمان يُعرفان بعضهما البعض, و لكن الاعتقال الأصعب كان في عام 1985م, لأنه كان على خلفية اتهام تخميني بقيادة عمل عسكري, فمكث في التحقيق “6″ أشهر و “11″ يوم, لم يستطع فيها ضابط المخابرات انتزاع معلومة يتيمة منه, تفيده في تعطيل مد الشبيبة الفتحاوية ليطمئن و يهدأ, و على إثر ذاك الاعتقال التنكيلي,لا يزال دحلان يعاني من ألمِ مستمر في الركبة لحد اللحظة المعاشة, بالإضافة لتأثر عينه اليمنى و أضلاعه, من قسوة الضرب و التعذيب, الشيء الذي يعتز به دحلان و لا يبدي ندماً عليه.



لم يعزل السجن رفاق الأسر عن الحياة, لأنه كان المدرسة الأكثر إعداداً و ترتيباً و تمهيداً لتجارب أقسى, قد يكون إحداها الإبعاد القسري, كما لم يتوقع دحلان في ذاك الوقت ذلك, فقد تعممت ثقافة الصمود و الحذر بين صفوف كل شباب الشبيبة, من خلال جولات الفخار و الشرف في التحقيق أمام المحقق, التي ينهزم فيها السجان و ينتصر فيها أسيره, و هذا ما نجح فيه دحلان مع كل الكادر التنظيمي, الذي استغل فترة السجن لدراسة مناهج ثقافية, فضاعف من ساعات القراءة, على الساعات الثلاث المخصصة له كسجين, و تعلم اللغة العبرية على أصولها و مارس القيادة من الداخل, فكان أنموذجا منيراً و وهاجا لشعلة الشبيبة, ثم أصبح من المحاضرين الأساسيين في السجن للأسرى, و حاول استحضار و مواكبة تطورات قضية الأسرى بعد كل إفراج, في التثقيف الخاص بالشبيبة و على كافة المستويات.



مع استمرار عناد و جسارة دحلان وفشل المحتل في تثبيت قضيةٍ ما عليه في المعتقل, كانت الشبيبة قد صارت و كأنها تنظيم سياسي, و تم الإفراج عن الأسير الشاب دحلان, فيحدث فيما بعد اعتقاله تلقائيا في الاعتقالات الاحترازية, التي كانت تجمع قادة العمل الفتحاوي المتقدم في كل مدينة و قرية و زقاق, حتى أدركت إسرائيل أن دحلان قد تحول إلى خطر, قد يبرز تهديده الأقوى في المستقبل القريب, فاتخذت قراراً بإبعاده خارج فلسطين كلها, بعد أن اعتقلته, فيما اندلعت الانتفاضة الأولى بعد إبعاده بشهور معدودة.



* الإبعاد و المنفى:



لم يكن اعتقال الجيش الإسرائيلي لمحمد دحلان في ديسمبر عام 1986م اعتقالاً احترازياً عاديا, فهذه المرة كانت إسرائيل تبيت نيتها لفعل شيءٍ ما, لمسه دحلان من خلال نمط و أسلوب أسئلة ضابط المخابرات الذي كان يحقق معه, فقد تعمد الضباط أثناء تناوبهم على التحقيق إيصال رسالةٍ لدحلان تقول: أنك قد تملك معلومةً ما و قد لا تملكها؟ و أنك قد تجيب و قد لا تجيب؟ و لكن النتيجة شيء آخر !!! أدركها دحلان عندما قرؤوا عليه قرار الإبعاد و الترحيل القسري خارج فلسطين, دون تحديد المكان الذي سيتجه إليه, و فعلاً تم الإبعاد بعد استكمال بعض الإجراءات الروتينية التي يكفلها قانون دولة الاحتلال, و من ضمنها أن يرى المبعدُ ذويه و يبلغهم بذلك, إلا أن أهله كانوا قد علموا بالقرار من خلال الإذاعة الإسرائيلية, قبل يومٍ من تاريخ معرفة محمد دحلان بذلك, و اقتيد دحلان معصوب العينين, ليجد نفسه على الحدود ا الفلسطينية الأردنية, في يناير من عام 1987م, فاستلمته القوات الأردنية و وضعته في السجن, إلى أن وصل الشهيد أبو جهاد “رحمه الله” إلى عمان, و أُفرج عنه بشرط ألا يمكث في عمان, فتم ترحيله إلى القاهرة التي عاش فيها سبعة شهور, مارس خلالها نشاطه التنظيمي كما كان معتاداً عليه في قطاع غزة, و كانت هذه الفترة فرصة أخرى للقرب من الشهيد خليل الوزير, إلى أن اعتقلته أجهزة الأمن المصرية لأنه ساعد مجموعة من حركة الجهاد الإسلامي, كانت قد هربت من سجن غزة المركزي إلى سيناء, و عمل محمد دحلان على تهريب أفراد المجموعة إلى السودان, و هذا ما رأت فيه مصر إخلالاً بشرط الإقامة, القاضي بعدم ممارسة دحلان لأي أنشطة سياسية, لتبادر مصر بإبعاده إلى بغداد في نفس العام, و هناك كان في انتظاره الشهيد أبو جهاد “رحمه الله”, و بدأت حينها مرحلةٌ جديدة من النضال, حيث الظروف مواتية للقيام بأي نشاط سياسي و تنظيمي, يضاف إلى ذلك امتلاك حركة فتح قاعدة تدريب عسكرية في العراق, الأمر الذي استغله دحلان على خير وجه, إذ طالب أبا جهاد بأن يترك العمل الجماهيري للانتقال للعمل العسكري, و لكن أبا جهاد رفض ذلك و طلب من دحلان الاستمرار في عملة مع العمل العسكري, و متابعة كل أخبار الانتفاضة ونقل توجيهات القيادة للداخل, بما أنه يعتبر من القيادات الشابة و يملك خبرةً لا بأس بها في التركيبة “الكيميائية” لغزة ككل, إذ كان يتوسم فيه خيراً.



لم يكن عمل دحلان يقتصر على وجوده القوي في “الجهاز الغربي” العسكري, المسئول عن العمل الفدائي و القتالي داخل الأرض المحتلة تحت إمرة أبي جهاد, بل استخدم كل حواسه الأمنية من أجل تسهيل إيصال الدعم المالي الكافي للداخل دون أن يكتشف الاحتلال ذلك, و وفر السلاح للمنتفضين وساعد في توجيه “المطاردين”, و الكوادر القيادية في الوطن المحتل, مع سعيه لاستقدام الطلاب الدارسين في الجامعات العربية و الأجنبية, لتلقي التدريبات في العراق بسرية تامة, فيما كان للزيارات التي يقوم بها دحلان لتونس و رحلاته بين بغداد و بينها عظيم الأثر, في التعرف على كل أركان القيادة الفلسطينية هناك, و من ضمنها الرئيس الشهيد الخالد / ياسر عرفات الذي تعرف على محمد دحلان و أُعجب بأدائه, و كان قبلها قد التقاه في بغداد عدة مرات بوجود أبي جهاد, و أمر بنقله لتونس عام 1989م أي بعد استشهاد أمير الشهداء خليل الوزير.



ظل في وجدان دحلان وقع الصدمة التي فاجأته عندما عرف أن ميزانية الأرض المحتلة لا تتعدى أل 2%, من حجم إنفاق منظمة التحرير الفلسطينية, و ذلك في جلسة المجلس الوطني في عمان عام 1985م, عندما ضوعفت النسبة إلى 4% ,الأمر الذي اعتبره دحلان قليلاً و إجحافاً بحق الداخل, فعمل من منفاه على مضاعفة المبلغ ما يزيد على أربعة الأضعاف, و هذا ما تم في تونس عندما أخذ الرئيس عرفات دحلان برفقته للإقامة هناك و العمل في مكتبه بشكل دائم, بعد اندلاع حرب الخليج التي كان العراق طرفاً فيها, فصارت نسبة الصرف على قطاع غزة على سبيل المثال شهريا 250000$ بدلاً من 63000$.



كان عمل دحلان مع القائد العام عرفات في مكتبه, يتمثل في الإشراف و المتابعة و تأمين الرسل من و إلى قطاع غزة, بعد أن عينه عضواً في المجلس العسكري الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية, مما أكسب دحلان ثقةً كبيرة عند الشهيد عرفات, الذي اعتبر دحلان ابناً له و كان دحلان ودوداً رءوفا بأبيه, و يذكر أحد شهود تلك المرحلة, أن ما ميز دحلان و قربه من عرفات تلك الفترة هو ما يلي:

- تعلق دحلان و اهتمامه بساحة الداخل المحتل.

- امتلاك دحلان زمام المبادرة و إتقانه لعمله.

- قدرة دحلان على نسج علاقات متنوعة مع كل كوادر و عناصر العمل الوطني في الداخل و الخارج.

- معرفة دحلان بطبيعة غزة و حفظه لكل شارع و حارة و زقاق و قصبة في القطاع.

- كون دحلان أحد المؤسسين للحركة الوطنية الفلسطينية “الشبيبة” في القطاع.

- نضال دحلان و سجنه و نفيه أكسبه ثقة مميزة.

- ما يتمتع به دحلان من قدرة على التنظيم و الإدارة, و دقته في الحصول على المعلومة.



و يضيف هذا العارف بدحلان المرؤوس و القائد العام عرفات, بأن ما طرأ من تحسن في أداء الجهاز الغربي في “لجنة غزة” بوجود دحلان, قد عزز من مكانته عند الرئيس, كما لعب دحلان دوراً محوريا في إسناد الانتفاضة ميدانياً, ضد الاحتلال بالرغم من بعده عنها, و لاحق العملاء و نظف المجتمع الفلسطيني من المفسدين و لاسيما من تجار المخدرات, و المسيئين من شاربي الخمر و بائعيها و السُراق و المتطفلين على الوطن و القضية, مما حافظ على ديمومة الانتفاضة و استمرار التعبئة فيها, و من أبرز مهام دحلان الرسمية في تلك الفترة ما يلي:

- ضمان إيصال الأموال في الوقت الحرج و المناسبات بشكل شهري للداخل.

- الإشراف على آليات العمل للانتفاضة و متابعته للخروج برؤية شاملة لإدارتها.

- معالجة القضايا اليومية و السلبيات التي تتعلق بالانتفاضة و المساعدة على سرعة تجاوزها.



* مباحثات السلام:



طبقاً لما أفرزته الظروف العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي, و ضرب العراق و فرض الحصار عليه, و غياب عمقٍ عربي حقيقي للقضية الفلسطينية, و هدوء كل خطوط المواجهة مع إسرائيل أو ما يسمى بدول الطوق, و انعدام العمل العسكري مثل ذاك الذي كان في الأردن و لبنان, و تحكم أمريكا و من ثم إسرائيل بالعالم ككل, أدركت القيادة السياسية الفلسطينية ضرورة العودة للداخل, سعياً لإكمال مسيرة النضال حتى الدولة, فاستغلت دعوات الدول العربية و الغربية لها, لخلق سلام عادل و شامل مع تل أبيب يضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية, و على هذا الأساس عمل محمد دحلان مع فريق الرئيس في تونس من أجل إنجاح المفاوضات, التي ستعيد إحياء القضية و منظمة التحرير الفلسطينية كما يرى دحلان و الكثيرون ممن يملكون أفقاً سياسيا.



عمل محمد دحلان مع الفريق الفلسطيني في الشتات, من أجل إسناد وفد الداخل في مفاوضات واشنطن, فساهم في اختيار الكادر الذي سيشارك في المفاوضات, و سهل حركة و مهمة أعضاء الوفد, و عمد إلى توضيح صورة الوضع للشارع الفلسطيني, كي لا يحدث أي تجاوز ضدهم, الجدير ذكره في هذا المقام, أن ذلك لم يكن على حساب الانتفاضة و فعالياتها, التي كان دحلان يحافظ على استمراريتها بالتوازي مع المفاوضات, إلا انه لم يعرف بأي شيء عن وجود قناة اتصال و مفاوضات سرية في أوسلو, حتى شهر مايو عام 1993م, فتحدث مع عضو الوفد حسن عصفور في هذا الأمر, و من ثم التقى مع أبي مازن, فوافق دحلان على مبدأ المفاوضات و تقدم بطلبين, الأول يقضي بالإفراج عن الأسرى و المعتقلين السياسيين, لما لهذا الموضوع من حساسية, و يمكن أن يعطي الشرعية لأي تسوية, أما عن الطلب الثاني فهو أمر يتعلق بعودته للداخل, لأنه لم يكن متكيفاً مع حياة الخارج, فرد أبو مازن عليه بأن الطلب الأول سيكون تلقائيا على الطاولة, أما الطلب الثاني فإن إسرائيل ترفضه, على اعتباران دحلان متهم بالقيام بعمليات عسكرية قد تسببت في سفك الدم الإسرائيلي, فترك أمره الشخصي للزمن, و زود أبا مازن بكشوف تفصيلية بأسماء الأسرى.



في مفاوضات طابا طلب أعضاء الوفد المفاوض من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات “رحمه الله”, أن يكون دحلان عضواً معهم, فوافق عرفات لثقته في دحلان و إدراكه أنه يُلم بالكثير من التفاصيل العسكرية و التنظيمية في الداخل و الخارج, و لكن اليوم الأول للمفاوضات شهد رفضاً إسرائيلياً قاطعا, لدخول دحلان إلى القاعة و الجلوس أمامهم على الطاولة, لأن يداه “ملوثتان بالدم الإسرائيلي” و هذا ما نقله الدكتور نبيل شعث و حسن عصفور لدحلان, و استمر الحال على ما هو عليه ثلاثة أسابيع, ليتجلى دوره في إسناد أعضاء الوفد معلوماتيا و الاتصال بالداخل, إذ عمل على تأجيل وقف العمليات هناك كلما طلبوا منه ذلك, و أخيراً سُمح له بالدخول للقاعة بشرط الجلوس في الصفوف الخلفية, و عدم النقاش إلا أنه كان يزود أعضاء الوفد بالمعلومات اللازمة أثناء عقد الاجتماع.



في خضم المباحثات طرح دحلان قضية ال220 مطلوب فلسطيني للتصفية أو الاعتقال الإسرائيلي, و أصر على مناقشة ملفهم مع آمنون شاحاك, فطالب بإلحاح وفدنا الفلسطيني بالضغط من أجل عودة المطاردين و المطلوبين للداخل,الذين كانوا يتوزعون حينها في تونس و الجزائر و السودان و ليبيا, فرفض شاحاك ذلك, إلا أن دحلان هدد بعين الحقيقة التي تفيد أن هؤلاء في القاموس الفلسطيني مناضلون, و يمكنهم تدمير أي اتفاقية سلام مع إسرائيل ما لم يكونوا طرفاً فيها, و بهذا المنطق بدأ دحلان و الوفد المفاوض يتحدثون مع الإسرائيليين, فنجح في الحفاظ على حياة هؤلاء المجاهدين و أعادهم للداخل, و على صعيدٍ ذي صلة رفض محمد دحلان أن تعتقل إسرائيل المطلوبين داخل قطاع غزة, على أن يتم إخلاء سبيلهم فيما بعد أو تستلم أسلحتهم, و أعطى التزاما شفهيا بأن تلتزم “صقور الفتح” بمتطلبات المرحلة, على أن يبقى سلاحهم تحت إشراف كادر التنظيم المعروف لدى جيش الاحتلال, و لعل الإنجاز الذي يُحسب لدحلان شخصياً في تلك المرحلة, النجاح في إدخال المطاردين الفارين من قوات الاحتلال مثل رشيد أبو شباك و أمين صيام, الذين كانا على رأس مسئولي صقور الفتح في القطاع, و كان مجرد طرح اسميهما من المحرمات, عند شاحاك و الطرف الإسرائيلي.



لم يكن ملف الأسرى غائباً في طابا بل كان من أكثر الملفات تعقيداً و صعوبة و أحق أولوية بالنقاش عند ذوي الأمر, حيث أصر محمد دحلان على الخروج مع أعضاء الوفد بنتائج ايجابية في هذا الموضوع, لأن إسرائيل رفضت خروج ذوي الأحكام العالية, إلا أن الوفد بمن فيهم دحلان الأكثر تعصبا للأسرى, قد نجح في إطلاق العديد من رموز الحركة الأسيرة مثل هشام عبد الرزق, و تم الإفراج عن 9500 معتقل منذ ذاك التاريخ و حتى تنفيذ الاتفاق الانتقالي, بمن فيهم معتقلين من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي.



* العودة و تأسيس الأمن الوقائي:



بعد أن اُستكمل إدخال معظم أبناء غزة, من المبعدين و المطلوبين لإسرائيل, دخل محمد دحلان مع بعض رفاقه في النضال بتاريخ 17/5/1994م, و لكن قرار ما قبل العودة كان قد صدر بتشكيل جهاز أمني, جاءت تسميته و فكرته من بنات أفكار القائد العام ياسر عرفات, الذي عين دحلان بقرارٍ في تونس رئيساً لجهاز “الأمن الوقائي” في محافظات غزة, دون أن يكون دحلان قد تخيل نفسه قبل ذلك مسئولاً أمنيا للحظة واحدة, و هي تسميةٌ أمنية قد تكون مستخدمة في الدول الاشتراكية في النظام الغربي, رأي عرفات “رحمه الله” أن يستوعب الجهاز الجديد الكادر التنظيمي الذي عمل في الانتفاضة الأولى, فجمع كادراً متميزاً من المناضلين, بمن فيهم عناصر من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي, و تم تقييم دحلان على نضاله و خبراته العسكرية و الإدارية و التنظيمية, برتبة “عقيد” في ذاك التاريخ من قبل القائد العام عرفات.



أوكل عرفات “رحمه الله” مسئولية حماية الاتفاق السياسي و عملية السلام للأمن الوقائي, و منع العمليات العسكرية التي قد تمنع التقدم للوصول لتسوية سياسية مأمولة في تلك الفترة, تماشياً مع الظرف السياسي العالمي و الإقليمي و العربي, و كي تستكمل السلطة الفلسطينية فيما بعد استرجاع الأراضي المغتصبة عام 1967م مقابل تقديم الأمن لإسرائيل, التي لم تزل تعتبر دحلان ثقيل الظل في تلك الفترة على اعتبار أنه “إرهابي”, و يتكفل جهاز الأمن الوقائي أيضا بنشر حالة الاستقرار الأمني, داخل المجتمع الفلسطيني و القضاء على الجريمة و الجريمة المنظمة, فيما شرع دحلان بهيكلة الجهاز مستعيناً برفاق الدرب الأوائل ,أمثال رشيد أبو شباك الذي عُين نائبا لرئيس جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة, و بدأ في رسم خطط تشكيل الجهاز فاختار عشرة من المناضلين, وفقا للتاريخ النضالي و التضحيات التي قدموها و لاسيما في سنوات السجن أو الإبعاد, و جعل منهم نواة الجهاز الحقيقية و قيادته, ثم أخذ يوسع في الدوائر و التفرعات و الاختصاصات داخل الأمن الوقائي, مستعينا بخبرات أمنية مصرية لتطوير الأداء و المساعدة على القيام به على خير وجه, بما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا.



و مما تميز به جهاز الأمن الوقائي قدرته في الحصول على المعلومة و تحري دقتها, وحرصه على مراعاة ضوابط المجتمع الفلسطيني العامة, مثل الأخلاقيات و غيرها, و قُربه من الكادر التنظيمي الفتحاوي و الوطني بشكل عام, و حزمة في التعامل مع أي تجاوز يصدر عن أحد أفراده, حتى وصل إلى حد إقالة البعض من المتجاوزين و معاقبة البعض الآخر.كما شارك جهاز الأمن الوقائي في تفعيل الانتفاضة الثانية,عندما كان محمد دحلان على رأس قيادة الجهاز, جاءت تلك المشاركة القوية قبل أن تدخل بعض الفصائل المسلحة في المواجهة الحقيقية مع الاحتلال , الأمر الذي أدى إلى استشهاد العديد من عناصر الجهاز , و منع أقرب الأشخاص من دحلان من السفر و الحركة باتجاه الخارج ,كرشيد أبو شباك و سليمان أبو مطلق الذي تم اعتقاله و الإفراج عنه فيما بعد.



بعد مرور سبع سنوات على رئاسة دحلان لجهاز الأمن الوقائي قدم استقالته للرئيس عرفات في أبريل من عام 2001م, و كان له وجهة نظر في هذا الموضوع, و هي أن الوظائف الأمنية يجب أن لا تكون أبدية القيادة, كي لا تصبح دائرة المسئولية إقطاعية خاصة لشخصٍ دون آخر, يضاف إلى ذلك تداخل مهام و وظائف الأجهزة الأمنية, مما خلق حالة من التشتت و الغضب الشعبي, و هذا ما شعر به محمد دحلان منذ عام 1998م, و طالب على إثرها بالإصلاح في جميع دوائر السلطة, و تلك نقطة محورية سنأتي ذكرها ضمن سياق السيرة.



* أحداث 1996م و العلاقة من الفصائل :



كما أسلفنا فإن تشكيل جهاز الأمن الوقائي كان يهدف إلى المحافظة على الالتزامات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي { و لا تعني الالتزامات الأمنية كما يتصور البعض اعتقالات و إعدامات, و لكنها تعني منع الجانب الفلسطيني لوقوع أي عملية توجه ضد الإسرائيليين طالما أن هناك اتفاق بين الطرفين ,لتمكين الجانب الفلسطيني من الحصول على حقوقه و قطع الطريق على الحجج و التسويفات الإسرائيلية بالمماطلة},و قد كان الرئيس عرفات هو المسئول الأعلى عن هذه المهمة, و يأتي بالتدريج بعده دحلان كرئيس للجهاز داخل القطاع في المسئولية عن هذا الملف, و لكن مشاحنات ظاهرة قد حدثت بين السلطة الفلسطينية و حماس, عندما استمرت الأخيرة في تنفيذ ما كانت تقوم به قبل مجيء السلطة الوطنية, مثل اختطاف مواطنين و إعدام البعض منهم بتهم العمالة و غيرها, فكان المطلوب من حركة حماس أن تقدر بشكل موضوعي و عقلاني, طبيعة المتغيرات التي طرأت على الساحة, كعودة منظمة التحرير و تشكيل سلطة فلسطينية, لم تعترف حماس بشرعيتها, مع عدم اعترافها أيضاً بالانتخابات الرئاسية و التشريعية و نتائجها كإحدى إفرازات أوسلو, و استمرارها في ممارسة نشاطاتها كتنظيمٍ مستقل له سياساته الداخلية و الخارجية,مما أدى كل ذلك إلى تضخم التراكمات , قامت على إثرها بعض الأجهزة الأمنية باعتقال و استدعاء بعض الأخوة في حماس للتحقيق و حثهم على التوقف عن ممارسة تلك السلوكيات التي تخدش هيبة السلطة الوطنية , فيما رفض جهاز الأمن الوقائي المشاركة في عمليات الاعتقال لأكثر من عامين , أي منذ عام 1994م و حتى العام 1996م , بل و كانت سياسة الأمن الوقائي تتجه نحو فتح آفاق من الحوار و التفاهم مع كتائب الشهيدعز الدين القسام من خلال محمد الضيف و عبد الفتاح السطري و رفاقهم , كاد أن يسفر الحوار معهم إلى إبرام اتفاق لولا تدخل بعض المتنفذين الذين عملوا على نسف أي اتفاق محتمل من خلال تشكيل جهاز عسكري لحماس بديل للقسام يسمى بــ “الجهاز السري”, الذي كان من مهامه الأولى الاستيلاء على أسلحة عناصر الشرطة الفلسطينية بالقوة و قتل من يقاوم و تجريده من سلاحه في بعض الأحيان , مما خلق أجواء مشحونة, و لاسيما أنه قد تم تسجيل عدة حوادث قتل قامت بها مجموعات سرية تابعة لحركة حماس ضد أفراد الشرطة الفلسطينية مثل الشهيد أكرم أحمد …الخ .



يضاف إلى ذلك أن إسرائيل قد نجحت باستفزاز حماس, من خلال اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش “رحمه الله”, مما دفع الحركة للقيام بأربع عمليات كبرى داخل إسرائيل, أسقطت بيريز و جاءت بنتنياهو و خلقت مفهوما جديداً عند الإسرائيليين بمن فيهم حزب العمل عن السلام, و هو أن إسرائيل قد باعت الاتفاق لمنظمة التحرير على أمل الحصول على أمن, و لكن العمليات زادت مع قدوم السلطة بشكل كبير و محرج للقيادة أمام العالم, فبدأت الأمور مع بيريز و نتنياهو ثم باراك تتجه للتعقيد وصولاً إلى اعتلاء شارون كرسي رئاسة الوزراء في إسرائيل.



مما فرض حدوث المواجهة, فاتخذت القيادة الفلسطينية قراراً باعتقال تكتيكي لأفراد حماس و الجهاد الإسلامي, بشكل مؤقت عام 1996م, منعاً لأي تدهور قادم قد يمنع الحصول على استحقاقات فلسطينية, في الأراضي المتفق على تسلمها من جيش الاحتلال الإسرائيلي, و كي تثبت للمجتمع الدولي قدرة السلطة على تسلم زمام الأمور و السيطرة على الساحة الفلسطينية, فأوكل الرئيس عرفات “رحمه الله” المهمة لجهاز الأمن الوقائي برئاسة دحلان في غزة و قطاعها, لضبط الساحة و تحجيم نشاط حماس العسكري و لو مرحلياً, للوصول إلى التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية, و ما جرى بعد ذلك من تضخيم في عمليات الاعتقال, سواء في الكم و الكيف, كان يهدف إلى خلق حالة من عدم الثقة و التشكيك في دحلان شخصيا و جهاز الأمن الوقائي.



كان الاعتقال ينتهي عادة و ضمن سياق الفهم و الوعي الوطني للأمن الوقائي و قيادته, التي لم تكن بعيدة عن هموم شعبها بإحدى أو كلا الخيارين, إما الإفراج عن الشخص المعتقل ,أو التفريغ في الجهاز لحل بعض المشاكل الأمنية لبعض كبار عناصر القسام و المطلوبين لدولة الاحتلال, و بناء على هذا الأساس؛ قد يستغرب من لا يدري عندما يعرف أن كوادر مهمة في كتائب القسام, بعضهم شهداء عند الله تعالى , مثل الأخوة عماد عباس و عوض سلمي و بلال الغول و خالد أبو سلمية و عدنان الغول و سعيد أبو حمام و غيرهم كثر , كانوا موظفين على قيد الأمن الوقائي, رغبة من قيادة الجهاز في أن يتمتعوا بحماية الجهاز و إمكانياته ,فيما استشهد العديد من عناصر حماس و بالتحديد من كتائب القسام و هم على قيود جهاز الأمن الوقائي ,بينما الآخرون كانوا على قيود الجهاز قبل تاريخ استشهادهم .



لم يكن يعني تصرف جهاز الأمن الوقائي, في تلك المرحلة على أنه ضد المقاومة, بل إن السلطة دفعت ثمن حماية حماس و الجهاد الإسلامي على مدار عشر سنوات, و ذكرنا دور الوقائي في تفعيل و إسناد الانتفاضة الثانية, حتى بلغ عدد شهداء الأجهزة الأمنية في الانتفاضة إلى أكثر من 40%, و قد ارتبط دحلان بعلاقة طيبة مع الجهاد الإسلامي منذ فترة الاعتقال, و طُرد من مصر لتهريبه مجموعة من عناصر الجهاد إلى السودان عام 1987م كما أسلفنا, و كذلك ربطته علاقة جيدة مع عناصر حماس مثل يحيى السنوار, الذي دخل ميدان المواجهة العسكرية ضد إسرائيل في الانتفاضة الأولى, قبل أن تتخذ قيادة المجمع الإسلامي أو حماس هذا القرار, كما ربطت دحلان بالدكتور عبد العزيز الرنتيسي “رحمه الله” علاقة أخوية بحكم رابطة الجوار في خان يونس, و مرت بعلاقات فتور أحياناً وفقاً للاختلاف في وجهات النظر, و لكنها كانت قائمة على قاعدة الاحترام بحكم الشراكة في النضال.



و يحتفظ محمد دحلان بعلاقات جيدة و متجددة مع معظم أركان العمل الوطني من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار في الداخل و الخارج, و ذلك من خلال إدراكه بأهمية دور الجميع في معركة البناء و التحرر بمن فيهم قيادات الحركات الإسلامية التي نجلها كثيراً .



* مبعوثاً و مكلفاً من عرفات للتفاوض:



مع صعود بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل, بدأت حالة من الشقاق تنعكس على المفاوضات العسيرة التي كان لها جولاتها, شارك فيها محمد دحلان بالتكليف من الرئيس عرفات “رحمه الله”, في التفاوض في عدة أماكن, كما رافق عرفات في الكثير من المفاوضات الشهيرة, لقوته في طرح ما يريد حتى في أكثر الأوقات تأزماً, و لما اكتسبه من خبرات في “فن” التفاوض مع إسرائيل هو و الدكتور صائب عريقات.



اهتم دحلان بجمع المعلومات الخاصة بأعضاء أي وفد إسرائيلي و تقديمها للرئيس عرفات, من خلال قراءة تاريخ الأشخاص و نشأتها و مرجعياتها الفكرية و السياسية, و ذلك للمساهمة في إدارة أي مفاوضات, و هذا ما حدث على سبيل المثال مع مبعوث نتنياهو دوري جولد, الذي جمع دحلان كل المعلومات المتعلقة به و بزوجته و رحلاته إلى بعض الدول العربية, و قدمها للرئيس الشهيد عرفات, كما اختاره الرئيس ليكون عنصر الاتصال الرئيسي بين مكتب الرئيس عرفات و مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي, و اختاره أيضاً مبعوثا شخصياً له للإعداد لقمة واي ريفر, فأوكل له كل التفاصيل في قضايا تمثل إشكالات للسلطة الوطنية الفلسطينية, وقد ساعد محمد دحلان أيضاً على المضي نحو التقدم باتجاه تحقيق الهدف الوطني الذي كان يحدده الرئيس, قوتُه و صلابتُه و قناعته أن إسرائيل ليست دولة خارقة للعادة, و ليس كل مواطنيها عباقرة, الأمر الذي عزز من قدرته على المطاولة خلال النقاش و التفاوض, بل و السرعة على الرد على أي تجاوز أخلاقي يصدر عن المفاوضين الإسرائيليين, بدافع العنجهية حتى وصل الأمر إلى أن شتم دحلان أعضاء وفد نتنياهو, مما دفع نتنياهو للتصريح بعدم ثقته في دحلان, و يُذكر لدحلان اشتراطه على إسرائيل أن تدفع ثمن الأمن انسحابات تعيد الأرض للفلسطينيين.



كما حافظ محمد دحلان على علاقات مع بعض أعضاء المؤسسة الأمنية و العسكرية مؤيدين لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه, و الشخصيات العامة في إسرائيل, من كتاب و صحفيين جانحين للسلم, للضغط على الحكومة الإسرائيلية, ثم أجبر نتنياهو على التوقيع على بعض التفاهمات في واي ريفر, تسلمت السلطة من خلالها 13.1% من أراضي الضفة الغربية بما فيها مدينة الخليل, إضافة إلى قضايا تفصيلية مثل المطار و الميناء و بعض القضايا الأمنية كافتتاح الممر الآمن و ملف الأسرى, مما يعد إنجازاً تاريخيا في ذاك الوقت الذي كانت فيه حكومة ليكود متشددة تحكم في تل أبيب. استغل دحلان أخطاء الوفد الإسرائيلي في التفاوض, و هذا و ما تجسد في طرح نتنياهو لما سُمي بمبدأ “التبادلية”, التي التقطها و أصر عليها الوفد الفلسطيني و تعمد إحراج الإسرائيليين أمام الطرف الأمريكي, بمطالبته بالتبادلية التي تخلى عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي, و تذمر من شدة تكرار دحلان لهذا المطلب.



مع صعود باراك لسدة الحكم في إسرائيل, كان محمد دحلان أول شخص يلتقيه بتكليف من عرفات”طيب الله ثراه”, فخاض مع فريق باراك و باراك نفسه عدة جولات من النقاش , أكد فيها على أن أساس أي اتفاق مع حكومة الأخير لن يتم دون أن تكون القدس كاملةً, عاصمة للدولة الفلسطينية مع ضمان عودة اللاجئين, و في مفاوضات إيلات حدثت مشكلة كبيرة بين دحلان و رئيس الوفد الإسرائيلي عوديد عيران, عندما قدم الأخير 62% من الأرض تمهيداً للحل النهائي, موضحة على خريطة سخر منها دحلان بوجود ياسر عبد ربه و قال لرئيس الوفد الإسرائيلي “إن أي طالب في مدارسنا لن ينجح في رسم الخريطة أي سيرسب كل طلاب فلسطين في الجغرافيا” لعدم منطقيتها, مما أدى إلى مشادة كلامية و صراخ بين الطرفين ,,, كما رافق دحلان الرئيس عرفات إلى كامب ديفد, و لم يتفاوض لدقيقة واحدة بمفرده مع الإسرائيليين كما يشيع المتفذلكون, بل كان يتحرك بإمرة الرئيس و يقدم له المعلومة و المشورة كلما تطلب الأمر, و استغل دحلان دقة اختيار الوفد الفلسطيني الإداري و المهني و الأمني هناك, وعمل معه على استمالة الأمريكيين لصالح الموقف الفلسطيني العام.



و بالنسبة لشارون فإن علاقة دحلان به كانت سيئة, و ذلك لما صدر عن دحلان من تصريحات ضد شخص شارون في واي ريفر, إذ كان شارون وزير خارجية, و عندما كُلف دحلان مع أبي مازن بإكمال خطوات الاتفاق و الذهاب لتل أبيب, هدد شارون من خلال الإعلام قبل مجيئهما باعتقال دحلان فيما لو جاء إلى مقره بالخارجية الإسرائيلية, كما اعتبر شارون دحلان مساعداً لحركتي حماس و فتح, و طالب باغتيال محمد دحلان بعد حادثة مقتل الجنديين الإسرائيليين في رام الله بداية الانتفاضة, فقامت إسرائيل بمنع محمد دحلان من السفر إلى الخارج على اثر اتهام له بالتورط في سفينة السلاح “كارين أيه” بعد سفره مع أحد المتهمين بالضلوع بها, قبل ضبطها بثلاثِ ليالِ, حتى تم إنهاء التحقيقات و تم التوصل إلى حلٍ لإزالة المنع.



* الانتفاضة و حصار الرئيس:



لم يكن محمد دحلان بعيداً عن الانتفاضة, إذ عمل على تنشيط الساحة الفلسطينية, و استفز البعض لغرض المشاركة الفاعلة في الانتفاضة, بقصد الضغط على إسرائيل و الحصول على ما تم الاتفاق عليه, فاندفع جهاز الأمن الوقائي بقوةٍ إلى الميدان, و التحم مع الجيش الإسرائيلي في كافة الاشتباكات المسلحة, التي أدت إلى استشهاد العديد من خيره عناصره, و ساعد على تكوين بعض فرق كتائب شهداء الأقصى المعروفة العناوين, و من المهم ذكره في هذا المقام أن معظم حراس دحلان الشخصيين هم من عناصر الكتائب الفتحاوية الأصيلة, كما استشهد ابن أخيه في إحدى المواجهات بمدينة خان يونس, و لا نستطيع التفصيل في هذا الباب أكثر من ذلك.



بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر توقع محمد دحلان أن يستغل شارون الحدث لصالحة, و يصعد من العمل العسكري البربري ضد الشعب الفلسطيني بمن فيه الرئيس نفسه, و أبلغ ذلك للرئيس عرفات “رحمه الله” و طالب بتغيير بعض الأمور تلافيا لما هو قادم, و لكن شارون كان أسبق إلى جنونه الدموي, فاقتحم مقر الرئيس بالمقاطعة, و كان دحلان تلك الليلة برفقة الرئيس حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل, فطلب منه الرئيس المغادرة ليتسنى له القيام بمجموعة اتصالات عربية و دولية, تطالب العالم بالتدخل لإنهاء هذه المهزلة, و كان يتصل بــ و يتصل عليه الرئيس أكثر من عشرين مرة في اليوم, و قد ساعدت الاتصالات على موافقة الولايات المتحدة, على زيارة دحلان و أبي مازن و أبي العلاء و الدكتور صائب عريقات لعرفات في المقر, بعد تدخل عربي جهيد كان أساسه حملة الاتصالات الفلسطينية التي قادها محمد دحلان, و في الأسبوع الثالث للحصار, و بالاستفادة من تكثيف الاتصالات الدولية, تم فتح قناة حوار مباشر مع الإسرائيليين, و كلف الرئيس عرفات دحلان بإدارة الحوار, و هذا ما نجح فيه بالحفاظ على حياة الرئيس, رغم التسليم بقسوة الشروط و تعقيدها, و لكن هذا الممكن في وقت المستحيل.



* حكومة محمود عباس:



مع استجابة أبي عمار لتكوين حكومة جديدة و تعيين رئيس وزراء لأول مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية, و اختياره لأبي مازن للقيام بهذه المهمة, كان محمد دحلان خارج البلاد, فجاءه اثنان من ذوي الإطلاع, و طلبا منه زيارة عرفات ليكون في الصورة منذ البداية, لم يكن دحلان كما تعود بحاجةٍ إلى سبب للجلوس مع عرفات, فسافر إليه في رام الله وناقشه في تشكيل الحكومة, فقال عرفات اتصل برئيس الوزراء المكلف لعله يريد أحداً غيرك, فقال له دحلان إن منصب وزير الداخلية كما كان مطروحا لن يضيف لتاريخه شيء, و ستكون مغامرة لمن يتسلم هذا الموقع, و انه لن يستطيع القيام بها, و انتهى اللقاء في جو من الود و الألفة, تلاه اتصال من دحلان بأبي مازن الذي علم بتفاصيل لقاءه مع الرئيس, و رحب بدحلان في حكومته و أكد على ضرورة وجوده في تشكيلتها, لما يمتلك من خبرة في المجال الأمني, و ما أن انتشر خبر ترشيح دحلان للموقع الوزاري, حتى تحرك أمراء السوء من المستفيدين من حصار الرئيس, الذين اختفوا عن الساحة وقت أزمة الحصار, و بدءوا في لعب دور الوسواس الخناس, كي لا يكون محمد دحلان في هذا الموقع, مما دفع دحلان للتمسك بهذا المنصب, فيما أصر عرفات بعد غمز و لمز المسيئين على أن يكون وزير الداخلية من أعضاء اللجنة المركزية, حتى جاء وزير المخابرات المصرية إلى رام الله, و اتصل بدحلان و قال له أنت ستكون وزيرا لشئون الأمن, و سيكون رئيس الوزراء أبو مازن وزيرا للداخلية, فاعتذر دحلان عن كلا المنصبين لو كلف بهما, و لكن تأكيد سليمان عبر الهاتف و بحضور الرئيس عرفات “رحمه الله”, أنه أي الرئيس يريد محمد دحلان شخصيا لهذا الموقع, جعله يوافق تحت مظلة رضا و رغبة الرئيس و ما يمثله ذلك من شرعية.



لم تهدأ النفوس المريضة عن التحريض بالتوافق مع التحريض الإسرائيلي ضد رئيس الحكومة و دحلان, من خلال “مدائح الصحافة الإسرائيلية” الخبيثة للرجلين, و بدأت الهدنة التي طلبت فيها إسرائيل من دحلان القيام بعمليات اعتقال واسعة, في صفوف المقاومة, الأمر الذي اعتبره دحلان خطاً أحمر و رفض القيام به بأي شكل, فبدأت إسرائيل في البحث عن ذرائع لوأد الهدنة, من خلال التأكيد لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول في زيارته للمنطقة, أن حماس تُصنع أسلحة مستفيدةً من الهدنة, كان دحلان يطرح موضوع حصار الرئيس في كل لقاء له مع الأمريكيين, و في قمتي العقبة و شرم الشيخ كان محمد دحلان يتصل بالرئيس كل ساعة, على الرغم من عدم مشاركته في اللقاءات, و في إحدى لقاءات أبي مازن و دحلان مع شارون في القدس, كان الطرح الفلسطيني يتناول قضية حصار الرئيس, و ملف الأسرى و طلب المساعدة في القضايا الاقتصادية و التكنولوجية, فرد شارون قائلاً لدحلان “أنت تريدني أن أفرج عن إرهابيين و قتلة …هؤلاء أياديهم ملطخة بالدماء !!!؟” مما دفع دحلان للرد السريع عليه قائلاً ” و أنت لست رئيسا للصليب الأحمر, أنت أيضا قاتل و إذا كان المفهوم كذلك فأنت مارست نفس الممارسة بشكل أبشع, لذا يجب علينا أن ننسى هذا لأنه جزء من الماضي” و مع اشتداد حملة التشويه الإسرائيلية للتشكيك في محمود عباس أمام عرفات, عملت إسرائيل على تسريع انهيار الحكومة الفلسطينية, لعدم قبولها بمناخ السلام من خلال خرقها الهدنة, فيما تكالب المفسدون على الحكومة بالتحريض, وقيامهم ببعض الظواهر اللا وطنية والغير أخلاقية مما أدى إلى استقالة الحكومة.



* حملات التشويه و الافتراء:



تعرضت شخصية وزير شئون الأمن السابق محمد دحلان, للكثير من حملات التشويه الإعلامي المقصود و المبرمج و من عدة تيارات, كان هدفها الأساسي قتل دحلان جماهيريا, و حرقه بين الناس بدوافع حقد و حسد و غيرة شخصية, يضاف إلى تلك الدوافع تعارض توجهات دحلان الإصلاحية مع مصالحهم الفردية, فكان ما كان من إشاعات و تسريب معلومات فاسدة ضد دحلان, و لنا ثلاث قضايا في هذا الملف:

1 – تكفلت إسرائيل بخلق شقاق بين أهم الفاعلين في القيادة الفلسطينية, و المؤثرين من ذوي التوجهات الوطنية, كان محمد دحلان من وجهة نظر إسرائيل كما هو ابناً لعرفات, و مساعداً في تدعيم أركان السلطة على الأرض, و صاحب فكرة و قوة و منطق خاص في لعبة السياسة و التفاوض, في حين أن إسرائيل لم تستطع ضبط ممسك شخصي يُمكِنها من ابتزاز دحلان على مائدة التفاوض, التي كان فيها دحلان لينا وقت اللين, و جادا وقت الجد و قاسيا في مواجهتهم, مع حصول أي تجاوز إسرائيلي داخل الجدران الأربع, فعمدت إسرائيل إلى شن عدة حملات منظمة للنيل من محمد دحلان, و ذلك من خلال مدحه على صفحات جرائدها أو على لسان أحد المسئولين بالإذاعات, بقصد خلق جو من عدم الثقة به داخل الشارع الفلسطيني, لأن الطرف الإسرائيلي يدرك أن أي كلمة ايجابية بحق دحلان, تعني إسقاطه فلسطينيا, وهذا ما حدث إبان حكومة عباس التي كان فيها دحلان وزيرا, حيث تجاوزت الأخبار و المقالات المُمجدة و المسيئة للحكومة إلى أكثر من 60%,و قد كانت إسرائيل تعرف أن الرئيس عرفات يقرأ صحافتها كل صباح, لتكون الحقيقة في النهاية أن إسرائيل معنية بعدم استمرار الهدنة أو الحكومة الفلسطينية.

2 – تحالف كل أمراء السوء من مسئولين متخمين, و قادة أمنيين مخمورين و أصحاب المصالح التي تتعارض مع المصلحة العامة, على لعب دور الوشاة عند الرئيس, من أجل هز صورة الابن محمد دحلان و إقصاءه عن الحلبة السياسية, لما له من توجهات شعبية تحرقهم لو تم تنفيذها مع تشريع قانون المحاسبة, فاشتغلوا على تضخيم أسطورة دحلان الساعي إلى السلطة تارةً, و تارةً أخرى اتهموه بأنه رجل أمريكا في فلسطين, و مرة قالوا عنه خائنا في حين أنه لم يتفاوض أو يجلس مع الإسرائيليين أو الأمريكان مرة واحدة خلال العشر سنوات دون إذن من الرئيس عرفات “رحمه الله” أو دون تكليف منه شخصيا, ففئة ” وطاويط الليل” لم تشارك في معركة البناء و إدارة السلطة, أو المواجهة العسكرية بشكل جدي, و ترى أن أي تقدم شخصي أو نجاح يحرزه محمد دحلان أو غيره من المناضلين في غير صالحها, كما استفادت نفس الفئة من حصار الرئيس لما أخذته من أموال بحجج واهية, ذهبت إلى البنوك في حساباتها الشخصية.

و لم تكن هذه الفئة وحدها بل كان يساندها بعض المتصاحفين و الصحفيين و الكتاب المأجورين, ممن لهم ارتباطات معروفة بجهات استخبارية, فسربوا أخبار متنوعة عن دحلان و نيته المفترضة, في إحداث انقلابات و قتل رمز الشرعية الفلسطينية و تهديده للرئيس عرفات, ليخزهم الله بأن الرئيس “رحمه الله” قد اصطفى دحلان دون غيره في مرافقته له إلى باريس عندما ذهب طلباً للاستشفاء.

3 – ما يُشاع عن الاستثمارات التي يحوزها محمد دحلان, و ما يُروى من القصص التي يروجها المتورطون بفضائح مالية و أخلاقية قد تعدى حد المنطق, الذي يمكن أن يعقله عاقل, فكانت تلك الإشاعات حلقة من حلقات الافتراء و الزيف و الخداع, التي تهدف إلى إصباغ كل الصفات السيئة, بشخص محمد دحلان إثماً و عدوانا.



* في مواجهةٍ مع الفساد:



يدرك دحلان أن الإصلاح مطلباً شعبيا فلسطينيا منذ ثمانِ سنوات مضت, لذا فقد كان من أول المنادين بضرورة إجراء تعديلات و تغيرات, تمكن السلطة من المواجهة السياسية كلما تطلب الأمر, و تساعد على مد جسور من الثقة بين المواطن و المؤسسة الحكومية و الأمنية التي يتردد عليها, و لكن الفضيحة جاءت عندما صار المجتمع الدولي و عدونا الإسرائيلي, يطالب بتصحيح الأخطاء و القضاء على الفساد في المؤسسات و الوزارات الفلسطينية, مما جعل المفسدين في الأرض يصورون للناس أن الإصلاح حاجة أمريكية, لا يمكن تطبيقها الآن و تلك “حجة الثعالب”, إلا أن الحقيقة هي إدراكهم أن أي إصلاح سيطيح بكل كراسيهم و يعريهم و يخزهم أمام شعبهم.



إلا أن تراكم مظاهر الفساد و ضياع هيبة السلطة, و تفشي ظواهر العربدة و انتشار السلاح دون مبرر, وحالة “التوهان” في الشارع الفلسطيني مع تداخل مهام الأجهزة الأمنية, و ما حل بالناس من ضيقٍ اقتصادي و وجع سياسي, تطلب وقفة عز و شرف, تنصر المظلوم و ترد الظالم و تعيد الحقوق لأصحابها, و ترتب البيت الداخلي الفلسطيني, على أساس ما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا, و تعين السلطة على النهوض و تخطي حالة الشلل و الانهيار التي باتت تعيش فيه, و تعزز من قيمة المقاومة من خلال تنظيمها و تحديد أهدافها بالتوافق مع وجود أفق و خطاب سياسي, و غير ذلك من القضايا, جعل محمد دحلان يصطف ومن خلفه الجماهير, على مختلف انتماءاتها و توجهاتها الفكرية, للمطالبة بضرورة تصحيح الأخطاء و معالجة قضايا الفساد بمختلف أنواعه.



و منذ استقالته مع حكومة عباس و قبل ذاك التاريخ, يعمل محمد دحلان على استقطاب رجال الأعمال و المستثمرين, من كافة الدول العربية و الغربية للعمل في فلسطين, و ذلك من خلال ندوات يقيمها و يلقي فيها المحاضرات بالخارج, كما يقوم بالتنظير و حشد الدعم للقضية الفلسطينية و فضح ممارسات الاحتلال من خلال جولاته و زياراته للكثير من العواصم, مستفيداً من علاقاته مع شخصيات عالمية و إقليمية و عربية, لإطلاعها على طبيعة و ظروف الحالة الفلسطينية القائمة في هذه الأوقات, دون أن يتناسى هموم شعبه الذي يعيش همومه لحظة بلحظة……



*حكومة التكنوقراط :



حمل يوم التاسع من يناير قراراً فلسطينيا شعبيا بضرورة الإصلاح من خلال تجلي الإرادة الفلسطينية بانتخاب أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية السيد محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية ,خلفاً للرئيس الشهيد الخالد ياسر عرفات “رحمه الله”, مما أعطى محمد دحلان طاقة كبيرة للتحرك باتجاه تطبيق برنامجه الإصلاحي الذي نادى به كثيراً , فعمد إلى ترتيب الساحة الفلسطينية و استغلال المتغيرات التي قد تطرأ إذا ما نفذ رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون خطته القاضية بالانسحاب من قطاع غزة و شمال الضفة الغربية المحتلة, كما ساهم مع القيادة الفلسطينية و قادة فصائل المقاومة إلى الخروج بتفاهمات من شأنها تقوية الموقف الفلسطيني و العمل على توفير المناخات المناسبة للخروج من المأزق الذي يزجنا الاحتلال إليه , الأمر الذي أثمر عنه هدنة توقف فيها سيل شلال الدم الفلسطيني المتدفق بفعل بربرية الاحتلال , و العمل على توفير الأمن للمواطن الفلسطيني و فتح آفاق جديدة لعجلة الاقتصاد الوطني و إعادة بناء ما دمره الاحتلال.



كما يعمل محمد دحلان على التنسيق مع الجانب الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي المتوقع تحررها قريبا بتكليف حكومي رسمي من الرئيس محمود عباس و رئيس الوزراء أحمد قريع , فيما تم تشكيل حكومة انتقالية لحين إجراء انتخابات المجلس التشريعي في موعدها القادم و التي تعرف بحكومة التكنوقراط ,التي يشغل فيها دحلان منصب وزير الشئون المدنية , الأمر الذي يعد محطة انطلاق حقيقية للتخفيف من حجم معاناة الشارع الفلسطيني و انتهاج خطٍ إ صلاحي واضح و إعادة القضية الفلسطينية إلى الحلبة الدولية , مع السعي لتوفير الدعم الكامل للسلطة على المستويات العربية و الإقليمية و الدولية ….



إلى الأخ دحلان... ما هو البديل عن حل الدولتين؟

تقوم هذه المقالة على حيثيات فكرة قابلة للنقاش فحواها أنه ضمن معطيات الواقع الحالي من المستحيل قيام دولة فلسطينية حسب شروط ومواصفات الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية . ومن المعروف أن فكرة قيام أو إعلان قيام دولة فلسطينية ، كان في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي انعقدت في الجزائر عام 1987 التي أعلن فيها الرئيس ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ، وهذا يعني أن المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، اعترفا بدولة إسرائيل علنا وصراحة قبل توقيع اتفاقية أوسلو بستة سنوات ، في حين أن دولة إسرائيل كانت في ذلك الوقت تمنح أي اتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتجرّم وتحاكم من يقوم بذلك من مواطنيها .لماذا هذه الاستحالة ؟هذا السؤال من طرفي ليس تشاؤما أو رفضا لفكرة قيام الدولة الفلسطينية ، بقدر ما هو دراسة منطقية عقلانية للظروف وموازين القوى السائدة التي أرى أنها تحول دون قيام هذه الدولة ، وهذا يكمن في الأسباب التالية :أولا: عدم وجود اتفاق فلسطيني واضح صريحالدولة الفلسطينية المقترحة لا يوجد توافق فلسطيني صريح على مواصفاتها وحدودها ، فمنظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها بشكل من الأشكال حركة فتح ، رغم تمثيل منظمات فاعلة فيها مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية ، ومن خلفها المجلس الوطني الفلسطيني الممثلة فيه المنظمات الفلسطينية ( ما عدا حركة حماس )، يؤيدان صراحة قيام تلك الدولة ضمن حدود عام 1967 ، كما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني عام 1987 دون معارضة أي تنظيم آنذاك إذ لم تكن حماس موجودة حتى ذلك العام . هذا بينما حركة حماس التي اصبحت موجودة وفاعلة الآن ، وتسيطر على كامل قطاع غزة عقب فوزها بأغلبية المجلس التشريعي الفلسطيني في انتخابات 2006 ، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية برئاسة اسماعيل هنية ، هذه الحركة لا موقف واضح لها من مسألة قيام الدولة الفلسطينية ، فهي في إعلامها وعلى لسان بعض الناطقين باسمها في الفضائيات ، يطرحون التحرير ( من النهر إلى البحر ) ، وبعض القادة فيها مثل المرحوم الشيخ أحمد ياسين واسماعيل هنية وخالد مشعل وغيرهم ، يطرحون دوما مسألة عقد هدنة مع دولة فلسطين أحيانا يقترحون لها عشر سنوات ، وأحيانا هدنة طويلة لمدة ستين عاما . بينما خالد مشعل طرح أكثر من مرة مع وسائل إعلام أمريكية تحديدا موافقة حركته على قيام دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، وضمن هذا التذبذب وعدم الصراحة في موقف حماس ، لا يستطيع أحد بما فيهم أعضاء الحركة العاديين معرفة حقيقة ما هو برنامج حماس السياسي ؟. وهذا التذبذب والتناقض في الموقف الفلسطيني من فكرة قيام الدولة وحدودها ، وما يتبعه من الاعتراف بدولة إسرائيل ، تستعمله إسرائيل سببا لعدم تقدم المفاوضات على قاعدة : أي من الأطراف الفلسطينية نفاوض وهي غير متفقة على الاعتراف بدولة إسرائيل؟ .ثانيا: تناقض الخطوط الحمر للطرفينهذا السبب من العوامل الحاسمة التي أطرحها لاستحالة قيام دولة فلسطينية ضمن أية مواصفات ، لأن هناك ثلاثة قضايا يعتبرها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي خطوطا حمراء . الفلسطينيون يقولون لا دولة فلسطينية بدون تحققها ، والإسرائيليون يرفضونها جملة وتفصيلا ويرفضون مجرد طرحها للنقاش وهي:1 . قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تشريدهم من أرضهم وبيوتهم عام 1948 بعد قيام دولة إسرائيل ، ويبلغون اليوم في الشتات العربي والأوربي والأمريكي على الأقل ستة ملايين ، مضافا إليهم أربعة ملايين ونصف يعيشون في القطاع والضفة، أي أنه في حالة عودتهم المستحيلة سيكون عدد الفلسطينيين حوالي عشرة ملايين ونصف مقابل أقل من خمسة ملايين إسرائيلي ، وهذا في حد ذاته تهديد لوجود وبقاء واستمرارية دولة إسرائيل ، وهو الخطر الذي اطلق عليه باحثون إسرائيليون ( خطر القنبلة المنوية ) ويقصدون التزايد المتسارع لنسبة الولادات في المجتمع الفلسطيني .2 . قضية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المقترحة، وهي مسألة يصرّ عليها الجانب الفلسطيني ويرفضها بشكل قاطع الطرف الإسرائيلي لأنه في عرفه أن القدس التي تم توحيد شطريها الشرقي والغربي بعد احتلال الضفة عام 1967 ، أصبحت ( عاصمة دولة إسرائيل ) ولا يمكن النقاش أو التفاوض حول هذه المسألة ، وهذا ما يفسر الجهود الإسرائيلية السرية والعلنية لتهويد المدينة وتخفيض الوجود الفلسطيني فيها إلى أقصى درجة ممكنة .3 . مسالة المستوطنات في الضفة الغربية التي تلتهم ما لا يقل عن ثلاثين بالمائة من مجموع مساحة الضفة الغربية ، بالاضافة لتقطيعها أوصال الامتداد الجغرافي لأراضي الضفة، مما حولها إلى جيتوات مقطوعة ومعزولة بالمستوطنات والحواجز العسكرية ، ونتج عنه استحالة التنقل الطبيعي الحر بين مدن وقرى الضفة ، مضافا إلى ذلك التنقل الحر للجيش الإسرائيلي في كامل مدن وقرى الضفة وكأنه لا وجود للسلطة الفلسطينية وقواها الأمنية ، مما نتج عنه اعتقال 4500 فلسطني في القطاع والضفة منذ بداية عام 2009 فقط ، وهذه السياسة هي التي جعلت عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية يرقى لحدود 12 ألف فلسطيني وهو رقم قياسي في تاريخ كافة الاحتلالات . وقد كانت وما زالت مسألة الاستيطان والمستوطنات مركز خلاف حتى بين الإدارة الأمريكية التي تطالب بوقف الاستيطان وإزالة بعض المستوطنات ودولة إسرائيل التي ترفض ذلك . وقد أعلنت السلطة الفلسطينية منذ أيام قليلة رفض العودة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قبل وقف الاستيطان والبدء بتفكيك بعض المستوطنات ، بينما ترفض إسرائيل ذلك واعتبره نيتنياهو ( مجرد ذريعة فلسطينية لوقف التفاوض ) مطالبا الإدارة الأمريكية بالضغط على الجانب الفلسطيني وليس الإسرائيلي . هذا الظرف الشائك زاد تعقيدا بطلب إسرائيل الجديد الاعتراف الفلسطيني والعربي الرسمي العلني ب ( يهودية الدولة الإسرائيلية ).
إزاء هذا التناقض الواضح والصارخ في بين الموقفين الإسرائيلي والفلسطيني في كافة القضايا الرئيسية ، يتوصل تحليلي إلى استحالة قيام دولة فلسطينية حقيقية في أرض الواقع ، تمارس صلاحياتها باستقلالية كباقي دول العالم . وبالتالي فلا معنى لتهديد مسؤول فلسطيني قبل أسابيع قليلة بإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد إذا تعثرت المفاوضات ، فمن حيث الإعلان الكلامي الشكلي فالدولة الفلسطينية معلنة وقائمة من طرف واحد منذ عام 1987 في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر كما أشرت سابقا ، ولكن لا دولة ولا صلاحيات على الأرض ، حتى إصدار جواز السلطة الفلسطينية وتأشيرة دخول لأي فلسطيني وتنقل الفلسطينيين بما فيهم وزراء السلطة يحتاج لموافقة إسرائيلية ، ودولة إسرائيل تتحكم في المعابر والمياه والكهرباء وشبكة الاتصالات الأرضية والفضائية .إذن ما الحل ؟ ما البديل؟يتداول الفلسطينيون في مجالسهم وجلساتهم الخاصة بعض الأفكار البديلة التي لا يجرؤ كثيرون على مجرد الحديث فيها، كي لا تطالهم تهم الخيانة والعمالة وقلة الوطنية وعدم المشاركة في النضال والتحرير والاستشهاد…إلخ هذه المعزوفة الكلامية الخطابية و من هذه الأفكار :أولا : العودة لمصر والأردنأي أن يعود قطاع غزة للإدارة المصرية والضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية كما كان الوضع قبل هزيمة عام 1967 . وهذا البديل مستحيل لأنني أعتقد أن جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية ترفضان ذلك بوضوح وصراحة ، لأنه لا توجد أية دولة تقبل أن تكون المسؤولة عن تبعات الاحتلال ونتائجه ، فمصر لن تقبل أن تعود لإدارة القطاع وهو في هذا الوضع البائس لأنها ستكون مسؤولة عن هذا البؤس ، ناهيك عن إدارة شؤون شعب نحو غد مجهول ستتحمل مصر عندئذ نتائجه المجهولة هذه . وكذلك الأردن يرفض كما أرى أن يعود لضم الضفة للملكة الأردنية الهاشمية في وضعها مقطع الأوصال ، لأن هذا الضم يعني الموافقة على الاستيطان والمستوطنات الإسرائيلية، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل وهو مرفوض أردنيا وعربيا وإسلاميا . وهذا الحل أيضا سيكون مرفوضا من حكومة حماس المقالة في عرف السلطة الفلسطينية ، ومن السلطة الفلسطينية التي تعتبر غير شرعية ولا دستورية في عرف حماس ، لأن السنوات الماضية أوجدت امتيازات سلطوية للطرفين يتمتع بها عدد محدود من قياداتهم ، من المستحيل التنازل عنها حفاظا على هذه المصالح الشخصية التنظيمية وليس غيرة وطنية وشعبية .ثانيا : عودة الاحتلال الإسرائيلي المباشرأي كما كان الوضع في القطاع والضفة منذ عام 1967 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1988 ، حيث كانت أوضاع الحياة اليومية للمواطنين على الأقل تسير بيسر وسهولة ، وهذا البديل أرى أنه سيكون مرفوضا بصراحة وقوة من الطرف الإسرائيلي أولا ، لأن هناك شروط وتبعات دولية للاحتلال لن يقبل الطرف الإسرائيلي في تلبيتها والقيام بها ، كما أن الوضع الحالي حيث الانقسام والاقتتال الفلسطيني أفضل خدمة لدولة إسرائيل ، فلماذا تريح إسرائيل الفلسطينيين من قتالهم وصراعاتهم الداخلية التي وصلت حد التصفية واستعمال السلاح ، وحملات إعلامية وفتاوي تكفير شرعية لم تصدر بهذه الشدة ضد الاحتلال ذاته.إذن ما هو المتوقع؟المتوقع هو أن يستمر الوضع الحالي حيث ( إمارة حماس ) في القطاع المحاصر البائس ، و ( دويلة عباس ) الكرتونية التي لا تملك ولا تحكم في الضفة لسنوات طويلة قادمة ، والمبكي أن القيادتين في القطاع والضفة لا يعانيان أبدا ، فمن يتحمل البؤس والفقر والحصار والاعتقالات هم الغالبية المسحوقة من الشعب الفلسطيني ، لذلك وحسب اتصالاتي وما يأتيني من اتصالات ، فلو أنه فتحت أبواب الهجرة لسكان الضفة والقطاع ، لما بقي هناك إلا نسبة بسيطة من الشعب وعلى رأسهم هذه القيادات التي أثرت على حساب الشعب ، وهذا ما يفسر تراجع القضية الوطنية يوما وراء يوم .

أخي محمددحلان... من قتل المبحوح، حماس أم الموساد؟

عملية الاغتيال التي طالت أحد المسؤولين الأمنيين والعسكريين في حركة حماس محمود المبحوح في دبي بتاريخ العشرين من يناير 2010 ، تطرح أسئلة صعبة ومعقدة ما عاد من الصدق والوطنية السكوت عليها ، خاصة أن عملية الاغتيال هذه تكاد تكون الاغتيال رقم عشرين لقيادات من حماس منها : الشيخ أحمد ياسين، عبد العزيز الرنتيسي، يحيى عياش ، سعيد صيام ، و نزار ريان وآخرون. ونجا منها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي كان سيلقى مصرعه لولا عناد وشجاعة المرحوم الملك حسين الذي اعتقلت أجهزته الأمنية المنفذين ، وأصرّ على بنيامين نتينياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أن يرسل اللقاح المضاد للسموم التي تمّ رشها عليه، فرضخ نتينياهو لطلب الملك حسين الذي أصرّ أيضا على اطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية ، واستقبله جلالته في المدينة الطبية الأردنية حيث مكث أسابيع للعلاج قبل عودته لقطاع غزة .هذا العنوان الاستفزازي للمقالة يقصد منه تفتيح العيون والعقول على الآلية التي أوصلت جهاز الموساد لهذه السطوة والقدرة على فعل كل ما يبدو أنه من المستحيلات ، لدرجة أن هناك من يتصور أن هذا الجهاز قادر على التنصت على البشر في غرف نومهم ، في حين أن هذه السطوة والقدرة الخارقة ما كان يمكن أن تحصل لولا المساعدات اللوجستية التي يقدمها عملاؤه المحليين ، وهم في الساحة الفلسطينية تحديدا ألاف مؤلفة ليست منذ اليوم ولكن منذ تواجد المقاومة الفلسطينية في بيروت وتونس . وعلى سبيل المثال فقط وللتذكير فمن لا يعرف قصة أشهر جاسوسة للموساد أمينة المفتي التي اعتقلتها المخابرات الفلسطينية في بيروت في سبتمبر عام 1975 بعد أن مارست تجسسها عدة سنوات ، أوصلتها لمكتب ياسر عرفات شخصيا الذي أعطاها تصريحا لدخول أية مكاتب أو مواقع تريدها ، ورغم اعتقالها وتعذيبها إلا أن المخابرات الفلسطينية واللبنانية التي تسلمتها لفترة لم تجرؤا على إعدامها بسبب تهديدات الموساد ، وتمت مبادلتها بعد خمسة سنوات مع الأسيرين الفلسطينيين محمد مهدي بسيسو و وليام نصار . ومن ينسى عميل الموساد عدنان ياسين الذي اعتقلته السلطات التونسية في أكتوبر من عام 1993 بناءا على معلومات أولية من المخابرات الفرنسية ، وأثناء التحقيق ثبت أن له علاقة باغتيال أبو جهاد في تونس عام 1988 وعاطف بسيسو في باريس عام 1992 ، وبعد أن سلمته المخابرات التونسية للسلطات الفلسطينية لم تجرؤ على المساس به ، ونقلته في طائرة ياسر عرفات إلى اليمن ثم أطلقت سراحه سالما غانما مكرما مبجلا .من أوصل الموساد لمحمود المبحوح؟هذا هو السؤال المركزي في قضية الاغتيال هذه ، فقد كان المبحوح في دمشق وتم الحجز له على طيران الامارات يوم التاسع عشر من يناير للسفر إلى دبي بجواز سفر مزور أي ليس باسمه الحقيقي ، ووصل إلى دبي وكان في استقباله ثلاثة من كوادر حماس ، كانوا قد حجزوا له في فندق روتانا ( خمسة نجوم ) ، وبقوا معه حتى آخر الليل ، وبعد مغادرتهم بساعات صباح العشرين من يناير تم اغتياله في الفندق بالطريقة التي عرف بها الجميع . فمن أوصل لجهاز الموساد تفاصيل رحلته واسمه المزور والفندق الذي ينزل فيه ورقم الغرفة ؟. هل من فراغ أن تعتقل سلطات دبي أحد كوادر حماس الأمنية المدعو نهرو مسعود الذي أثبتت التحقيقات أنه كان مع البحبوح حتى ساعات قليلة قبل اغتياله . والتخبط الذي ظهر في تصريحات قيادات حماس عقب الاغتيال ليس بريئا ، فعزت الرشق صرّح أنه كان في دبي في مهمة خاصة ، بينما أعلن أبو مرزوق أنه كان في طريقه لدولة ثانية ، وهناك من لام قيادة حماس على ممارسة بعض أعمالها من دبي المدينة التجارية التي لا علاقة لها بأية سياسات .ومن أبلغ الأباتشي الإسرائيليةعن مكان المكتب الذي كان يتواجد فيه جمال منصور و جمال سليم من قادة حماس في مدينة نابلس بالضفة الغربية ليتم قصف المكتب ظهر الحادي والثلاثين من تموز 2001 ، فيتم قتلهما مع سبعة آخرين من المتواجدين في المكتب وقربه.ومن أبلغ نفس الأباتشيعن مكان تواجد صلاح شحادة القائد العام للجناح العسكري لحماس ، ليتم تصفيته مع خمسة عشر آخرين من بينهم زوجته وابنته ليلة الثاني والعشرين من تموز 2002 ، وجرح ما لايقل عن مائة وخمسين من المتواجدين قريبا من مكان الاغتيال .ومن أخبر الأباتشي ذاتهابنوع سيارة الدكتور ابراهيم المقادمة ، وساعة تواجده فيها ليتم اغتياله بقصفها ظهر يوم الثامن من مارس لعام 2003 مع بعض مرافقيه ، مع أنه كان من أشد شخصيات حماس سرّية ، ونادرا ما ظهرت له صورة في وسائل الإعلام أو تحدث اليها.ومن وضع المادة الشمعية المشعةعلى الكرسي المتحرك للشيخ أحمد ياسين ، تلك المادة التي أعطت الإشارة لطائرة الأباتشي الإسرائيلية لتعرف مكان الشيخ في مسجد المجمع الإسلامي بحي الصبرة بمدينة غزة ، ليتم قصفه بعد خروجه من المسجد مع ثمانية من مرافقيه والمصلين فجر الثاني والعشرين من مارس 2004 . ونفس السؤال عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي الذي تم اغتياله بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين بخمسة وعشرين يوما ، بقصف سيارته وهو يقودها في أحد شوارغ مدينة غزة.وفي دمشقمن وضع المتفجرات في سيارة عز الدين الشيخ خليل القابعة في كراج مغلق بمحل سكنه في حي الزهراء بالعاصمة السورية دمشق ، ليتم اغتياله صباح السادس والعشرين من سبتمبر 2004 ؟وفي مالطةمن أبلغ وحدة الموساد مسبقا أن الدكتور فتحي الشقاقي مسؤول حركة الجهاد الإسلامي ، سوف يسافر من دمشق إلى ليبيا لللمشاركة في مؤتمر ، ويعود منها إلى دمشق عبر مالطة ، وسيتم تأخيره كي يضطر للمبيت ليلة في فندق في مالطة ، ويتم الوصول اليه رغم أنه كان يستعمل جوازا ليبيا باسم إبراهيم الشاويش ، واغتياله ظهر السادس والعشرين من أكتوبر لعام 1995 . وقد ثبت لاحقا أن الموساد كان يحصل على كافة تحركات الشقاقي وأسفاره من خلال قطعة اليكترونية تم وضعها داخل جهاز تليفونه ، فمن أوصل هذه القطعة لتليفونه ؟ الموساد أم أحد المقربين الثقاة منه؟.وفي دمشق أيضامن وضع المتفجرات في سيارة عماد مغنية وهي متوقفة في داخل مباني المخابرات السورية بكفر سوسة في دمشق، رغم أنه قاد السيارة من مسكنه لمباني المخابرات ولم تنفجر، فكيف انفجرت بعد خروجه من لقاء مع مسؤول مخابراتي سوري في الثاني عشر من فبراير لعام 2008 . هذا ومن المهم ذكره أن زوجة مغنية السيدة سعدى بدر الدين إيرانية الجنسية ، اتهمت صراحة السلطات السورية بالوقوف وراء اغتيال زوجها ، وكما نقلت آنذاك وكالة الأنباء الايطالية تصريحا لها لموقع “البرز”الإيراني قالت فيه أن الدليل على تورط السلطات السورية هو رفضها مشاركة محققين إيرانيين في التحقيقات الجارية ، ثم قامت السفارة الإيرانية في دمشق بنقل الزوجة فورا إلى طهران . هذا وتمت عملية الاغتيال أيام قليلة قبل القمة العربية في دمشق ، ولم تتهم السلطات السورية الموساد آنذاك بل لمّح الإعلام السوري لجهات عربية ، وكان المقصود أن أية جهة عربية لن تحضر القمة خاصة المصرية والسعودية سوف توجه لها التهمة ، وبعد ذلك تمّ طي الملف نهائيا بدون أية تهمة لأية جهة عربية أو موسادية.ونفس التساؤل عن وفاة ياسر عرفاتفإذا كانت وفاته فعلا بسبب تسميمه من قبل الموساد ، فمن وضع له السم في طعامه أو شرابه؟ أليس واحدا من المقربين منه الذين يتواجدون معه ليلا ونهارا و يعدون له الطعام والشراب ويقدمونه له بأيديهم ؟. وأين الملف الذي قيل تسلمته زوجته سهى الطويل من المستشفى الفرنسي ؟.إن هذه الاختراقات الفلسطينية والعربيةهي التي صنعت القدرة الخيالية للموساد ، وهي اختراقات لو توفرت لأي جهاز مخابراتي لحقق نفس القدرة الموسادية ، أي أنه بدون هذه الاختراقات لا يستطيع أي جهاز في العالم الوصول إلى ما يصل إليه الموساد الذي هو ليس دائما المنفذ الميداني بل هؤلاء العملاء الفلسطينيون والعرب . ورغم ذلك يهدد خالد مشعل إسرائيل بحرب مفتوحة ، وقبله بأيام قليلة يناشد اسماعيل هنية كافة الفصائل الفلسطينية بعدم اطلاق الرصاص على إسرائيل كي لا يعطيها الحجة والسبب لاجتياح ثان لقطاع غزة ، وهو يقصد المحافظة على البقاء في السلطة مع هدنة لستين عاما .مثل فلسطيني قديم يقول ” دود الجبنة منها فيها”.